هل هو عالم الجنون ؟
يتناول الكاتب الكبير د. مصطفى محمود تأملات كثيرة عن عالم اليوم ويصفه بعالم الأهواء والصراعات برغم أن اللافتات تقول شيئًا آخر، ويأخذنا الكتاب لوصف عالم التلفاز وعالم المسيح الدجال وعالم الصوفية وعالم الحب، ويطرح عدة أسئلة أهمها هل نعيش حاليًّا في عصر الجنون؟
لحظة حب
لولا تجلي الله على مخلوقاته لما كان هناك شيء يستحق الحب في الدنيا على الإطلاق، لا وجه ولا صوت ولا مذاق ولا سلوك، فالله هو نور السموات والأرض، فهو نور البصائر والضمائر، وإذا انخطف قلبك أيها الإنسان لرؤية جمال فما خطف قلبك إلا هو، وإذا انخطف سمعك لكلمة فما خطفها إلا الحق الذي تجلى فيها.
ولذا ينظر الصوفي العاشق الولهان -كما يقول الكاتب- حوله دائمًا لأنه يرى وجه الله في كل شيء؛ يطالع فيه البهاء الإلهي، فذلك هو المحبوب الواحد والوحيد، فلا دوام لحب إلا الحب له وفيه، وأقصر حب ما كان لهدف اللحظ وأدوم حب ما كان لله وفي الله، ولئن ضيعت ربك فابكِ ما شاء لك البكاء؛ فإنك ضيعت كل شيء، ولئن كنت تطمع في نجاة فتوسل إلى فضله وليس إلا علمك، فقد أضل الله قومًا على علم وأهلك قومًا كانوا مستبصرين، وعثرة العالم أسوأ بما لا يقاس من عثر الجاهل، واسجد لتدخل في الباب الضيق.
تعدد الزوجات العصري
يفسر المؤلف هنا بما أن المرأة هي الرحم، وهي أصل الشجرة التي تخرج الأنساب، فقد كرمها الله بالوحدانية في الحب والزواج والمرأة السوية لا تختار للحب والزواج إلا رجلًا واحدًا، فهي تكره التعدد، وبما أن الرجل هو واضع البذرة، فخلق الله فيه ميلًا للتعدد (قيدته الشريعة بـ 4 زوجات) ليستطيع أن يبذر في أكثر من حقل ليعطي أكثر من محصول.
ولقد انتهي عصر الرجال الكبار الذين كانوا يعددون الزوجات ويعطون لهن حقوقهن، ويقبل يده ظهرًا لبطن، أما رجل اليوم فيتزوج زوجة واحدة ومعها ثلاثة تليفونات وذلك أضعف الإيمان، ولكن المرأة الجبارة هي التي تراقبه وتسجل له المكالمات، ولهن العذر في هذا الجبروت؛ فالواحدة أصبحت تحمل وتلد وتُرضع وتنفق على البيت والزوج، فماذا أبقى الرجل لنفسه إلا التلقيح؟ وهي وظيفة تافهة يمكن لذكر أن يحل مكان ذكر آخر، ويطل الطلاق بعد شهور من الزواج ليهدم الأعشاش الضعيفة، فيظهر هنا المضربون عن الزواج وهو معذورون، فهؤلاء اعترفوا بضعفهم وأعلنوا خوفهم.
وينتقل بنا الكاتب إلى أكثر الكلمات استخدامًا في القاموس وهي "أحبك" فقد تعددت معانيها وتناقضت بعدد أنفاس الخلائق وأغراضهم فكانت "أحبك" أحيانًا معناها (أكرهك\ أقتلك)، وكانت أحيانًا معناها: ليكن حبنا مسيرة فكر أو علم أو كفاح، ليكن حبنا أسرة وعائلة، حيث تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة ليكون زواجهما مشوار رسالة من أعظم الرسالات.
واختلفت منازل الحب حسب منازل الناس؛ فالكل صادق في كلمة "أحبك" ساعة يقولها، ولكنْ صدق لحظي ليأخذ المقابل الفوري من اللذة ويذهب لحال سبيله.
هل هو عالم مجنون؟
الحب والكُرة والتليفزيون وحبوب منع الحمل، ذلك هو عالم اليوم! قديمًاكان المحب العاشق يسعى على استحياء، نظرة فابتسامة فسلامٌ فكلامٌ، أما اليوم في أوروبا تبدأ العلاقة من آخرها بحبوب منع الحمل ثم يسأل الواحد الآخر عن اسمه وتبدأ الحكاية على طريقة السينما (فلاش باك)، فالذى يحكم الشباب اليوم هو هواه وليس مذهبه وسلوكياته.
فهل فقد العالم إذن عقله؟ هل أصبح العالم مجنونًا؟ هل هو لغز؟ هنا يضع الكاتب إجابات لتلك الاستفسارات بأنّ العالمَ لم يفقد عقله؛ فقد بلغ الذروة في العلم ومشي على القمر وزرع الأجنة في قوارير وقضى على الأمراض، ولم يصبح مجنونًا لأنه يصنع الحجج والمنطق لكل ما يفعل فقبل أن يقتل يضع نظري للقتل، وأن الله يساعدنا على فهم هذا اللغز من خلال خلق النفس الإنسانية قابلة لجميع المنازل علوًا وسفلًا فهى دائماً محل التلوين، فلا ثبات إلا لنفوس الأنبياء والصديقين، وهؤلاء رسموا لنا مسارًا، وما يجري في الدنيا اليوم هو امتحان لسلوك هذا المسار.
فانظر إلى نفسك وتأمل فيها، تعرف أين مكانك في الدنيا والآخرة؟
الجهاز الخطير
يحدثنا الدكتور مصطفى محمود أنه ذات مساء اكتشف بـأنّه لم يفعل أي شيء سوى الحملقة في شاشة التلفاز، من برنامج إلى برنامج ومن فيلم إلى فيلم، وأن هذا الجهاز له عكس تأثير الكتاب، فالكتاب الجيد يُحرر صاحبه.
أما التلفاز الجيد يعتقل صاحبه،حيث يعتقل جوارحه ويديه وخياله فالشباب أصبح رخوًا لا يفكر بعد عمل مرهق إلا في صحبة ممتعة وحضن دافئ لأن عينه ألفت الانحلال والفساد، فنحن أمام جهاز خطير له قدرة تشكيلية على العقول ولو وقف مصلح اجتماعي يطالب بإيقاف هذه البرامج اللاهية وتحويلها إلى إعلام تربوي فسوف يواجه مشكلات كثيرة، والحل هو ترشيد الإعلام ثم يبقى قبل كل شيء أن ينتصر كل منا في حربه مع نفسه، وحينما يشرف الواحد منا على إهلاك نفسه، تأتي المشيئة الإلهية فتحُول بين العبد وشهوة قلبه فتنقذه.
ولن تكون أجيال التليفزيون القادمة أحسن بل أسوأ من أجيال ما قبل التليفزيون، حيث يضاعف من الأثر النفسي للتليفزيون أننا نتلقى برامجه ونحن في الفراش في حالة استرخاء كامل بالبيجاما وحولنا الأطفال يشربون بعيونهم كل حركة وهمسة، وهذه الحال تجعل النفوس قابلة للتطبع بكل الأفكار المعروضة ولا حبذا السيئ منها.
الدجال يأتي على طبق طائر
يتعجب مصطفى محمود من أن هذا الكون المؤلف من ملايين الكواكب والنجوم التي لا حياة فيها إلا على كوكب واحد وهو الأرض، إن الأمر شبيه بعمارة هائل فيها ملايين الشقق الخالية فيما عدا غرف واحدة صغير في البدروم اختصها الله وحدها بالسكان، ويزيد تعجبه هذا قول الله:
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ)؛
فالقرآن إذن صريح بأن الحياة في الكون كله.
ويقول الله تعالى:
)وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ)
فمن أي أرض سوف تخرج الدابة؟ والقرآن يقول إن هناك سبعين أرضًا ونحن لا نعرف إلا أرضًا واحدةً! والسموات مسكونة بدواب كما أن الأرض مسكونة بدواب، وماذا تكون تلك الدابة؟ أهي إنسان أم حيوان أم حشرة؟ أو أن الله سوف ينطق الدابة بمعجزة؟ الله أعلم، فيحاول الكاتب هنا أن يربط ظواهر متعددة ببعضها، ويتعجب الكاتب أكثر من استبعادنا بأن الله سوف يبعث بالدجال العظيم في عصر الدجل؟
فأي فتنة أكبر من قدوم رجل من السموات على طبق يحيي الموتى وينزل المطر ويشفي الناس ويدّعي الألوهية؟ لا بأس بأنها ستكون الفتنة التي تقضم الظهور.
المستقبل
يهرول الأوروبيون في الشوارع في مختلف البلدان وكأنما وراءهم كرباج وهم يمشون هكذا في كل البلاد ومعنى ذلك أن تلك سلوكياتهم! ويقول المؤلف إنهم بلا شك يفكرون بطريقة مختلفة، ويرون الدنيا بمنظور مختلف على حين لا نزال نحن نسير بالحركة البطيئة!
ويفسر ذلك بأننا مساحة العاطفة والخيال عندنا أوسع، فنحن نستشير قلوبنا قبل عقولنا ونرتجل أكثر مما نخطط وبأنّه نفسه لا يحتفل باللحظة كثيرًا بل يتخطاها، ونحن جميعًا نعيش في هموم الموت وما بعد الموت، أما الأوروبي فلم يعش مطلقًا في هم الموت وما بعده، فهو يعيش لحظته ويستشير عقله قبل عاطفته، فهو أخلاقي لأسباب انتهازية وليس دينية وليس لأن الأخلاقيات أمر من الله، ولكن لو فهمنا نحن الدين بطريقة صحيحة لما كنا أقل منهم حماسًا في العمل. لقد أخطأوا فهم الدنيا! وأخطأنا نحن فهم الدين!
ويتساءل مصطفى محمود هل جاء الدور لنعبر إليهم بحضارتنا كما عبروا إلينا بحضارتهم؟ وكيف يكون العبور؟ فنحن في القرن الواحد والعشرين.
لماذا خلق الله الدنيا؟
من الميلاد إلى الموت والإنسان في صراع "صراع بين عدم ووجود"، ولكن يوضح الكاتب أن الله لم يتركنا لهذه القوى العدمية السالبة، ولكن نفخ فينا من روحه وأعطانا شحنة موجبة، فنفخته روح وكلمته روح.
ووضعنا الله في هذه الدنيا للتعرف إلى أسرار النفس ومرادها، فالذي يحب الدنيا يعطيه منها، والذي يحب الآخرة يعطيه منها، فيعطي الله كل نفس ما تحب، ولكن هل في الإمكان عطاء أكثر؟ فيشير المؤلف إلى أنه لو كان هناك عطاء أكثر فإن الله هو الوحيد القادر على إعطائه، ما خلق إلا ليعطي، وما خلق إلا ليَرحم.
ويربط الكاتب أيضًا وجود الله بوجود العدل والرحمة واطمئنان القلب ووجود الكرم وعدم العبثية في الوجود وعدم موت الدهشة وتتدفق نافورة القلب بالمشاعر ووجود الحكمة في كل شيء ووراء كل شيء، ولأن الله -سبحانه- واحد، فلن ننقسم على أنفسنا ولن نتشتت في الولاء، وذلك الإحساس معناه السكينة وراحة البال والنشاط، وتلك ثمرة "لاإله إلا الله" في نفس قائلها، فإنها تحرر الإنسان من جميع المعبودات الباطلة وتبشره بالمغفرة وتنجيه من الخوف، ولم يُخلق إلى الآن العقار السحري الذي يحدث هذا بالنفس، ولأن الله موجود فإنك لست وحدك، وإنما تحف بك العناية الإلهية حيث كُنت، وهذا شعور مستمر بالصحبة والأمان.
الاعداد من قناة اخضر الشهيرة و الذائعة الصيت في الشرق الاوسط و المعروفة بتلخيصها لكافة الكتب و المواضيع بشكل بسيط و مفهموم للجميع للرجوع الى فريق عمل اخضر
facebook l website l twitter l instagram l Youtube
جميع المقالات حصرياً علي موقع مجلتي