ملخص كتاب كتاب أنقذوا الطفل في داخلكم (المؤلف: تشارلز ويتفيلد)
هناك عدد كبير منا لم يحصل على احتياجاته الضرورية في الطفولة، مثل الأمان والاهتمام والقبول والمشاركة والدعم، تلك الاحتياجات التي كان من المفترض أن تساعد تلك الفتاة على بناء ذات سوية، وتعرف كيف تقيم علاقات صحية، وهي التي كانت ستساعد ذلك الرجل على أن يشعر بأنه شخص جيد، وأن أفعاله صالحة ومفيدة.
وعدم حصولنا على احتياجاتنا يجعل علاقتنا بأنفسنا وبغيرنا من الناس مشوَّهة – ستجد أننا مثلاً نخشى النقد، ونخفق في التعرُّف على إنجازاتنا، أو التعبير عن مشاعرنا، أو قد تجد أننا نتحرَّى البحث دائمًا عن استحسان الآخرين وموافقتهم على ما نفعل، أو نشعر بحاجاتنا إلى الكمال، وإلا نكون فاشلين.
كل هذه السلوكيات تعكس جراحنا النفسية، تلك الجراح القديمة التي تعرَّضنا لها واضطر كل منا كي يتعامل معها أن يتصنَّع ذاتًا مزيفة بدلاً من ذاته الحقيقية لتحميه وتجعله قادرًا على المواصلة!
الطفل المختبئ
نحن نستطيع القول إن بداخل كلٍّ منا طفلًا (مختبئًا)، جزءٌ بداخله حي، ولكنه محبوس منذ زمن، وممنوع من الخروج، بسبب الأهل، أو الخوف من الرفض أو الأذى.
الطفل المحبوس هو أمر مشترك بين الأولاد والبالغين وخصوصًا الذين نشأوا في عائلات مضطربة، يعاني أهلها قسوة أو برودة مشاعر، أو نقصًا في الرعاية، أو أمراضًا جسدية أو عقلية.
هذا الطفل المختبئ أسماه كارل يونغ "الطفل المقدس"، وأسماه أليس ميلر ودونالد وينكوت "الذات الحقيقية"، ولكنه اشتهر باسم "الطفل الداخلي".
إذا لم يسمح ذلك الشخص المرسوم للطفل الداخلي الخاص به بحرية التعبير؛ أو تم تشوُّهه وجرحه بشكلٍ ما، فسوف يؤدي ذلك إلى ظهور ذاته المزيفة، أو الذات المتماهية او المتقمصة مع مشكلات الآخرين، وسيعيش حياته ويتعامل مع ذاته على أنه ضحية، كما أنه سيجد صعوبة في معالجة صدماته العاطفية، وغيرها من المشكلات.
الذات الحقيقية والمزيفة
بداخل كلٍّ منا ذاتان، إحداهما حقيقية والأخرى مزيفة، فالذات الحقيقية لا يكون الطفل الداخل فيها محبوسًا، ولا مجروحًا، بعكس الأخرى المزيفة التي يكون فيها الطفل محبوسًا أو مجروحًا.
خصائص الذات الحقيقة
الذات الحقيقية لها مجموعة خصائص، فهي أصيلة وصادقة وعفوية وصريحة ومحبة، ومتقبِّلة لذاتها وللآخرين، ورحيمة، وتقبل الآخر قبولاً غير مشروط، وهي قوية بالمعنى الصحيح، وليس لديها مشكلة أن يكون هناك من يرعاها، وهي واثقة من نفسها وتنمو بحرية، وهذه حين تظهر نشعر أننا فيها على حقيقتنا وفي أحسن حالة روحية ونفسية ممكنة.
خصائص الذات المزيفة
أما الذات المزيفة فمن خصائصها أنها غير أصلية ومتماهية وذات قناع، ومُخطِّطة، ومكبوحة وحسودة، وكذلك منتقدة ومحبة للكمال، وتعتبر نفسها مثالية، وهي مطيعة أكثر مما ينبغي، ومسيَّرة من قبل الآخرين، كما أنها تقبل قبولاً مشروطًا، وقوتها محدودة، وتتجنَّب أن يرعاها أحد، ومرتابة (لا تثق بشيء)، تميل إلى تكرار مواقف لا واعية ومؤلمة.
نستطيع أن نقول باختصار إن الذات المزيفة هي قناع نرتديه حين يكون طفلنا الداخلي لديه مشكلة لئلا نتعرَّض للجرح من الآخرين، تلك الذات تركز فقط على ما يريده الآخرون، وتراعي متطلباتهم أكثر مما ينبغي، وتتكتَّم مشاعرها الحقيقية وتنكرها، وقد تخترع مشاعر مزيفة؛ فمثلاً حين تسأل شخصًا: كيف حالك؟ فيجيب بتلقائية: على ما يرام، هذه الإجابة السريعة ضرورية ونافعة للدفاع عن الذات ضد الوعي المخيف للذات المزيفة التي ربما لا تعرف حالها الحقيقية، أو أنها تعرف وتنكر مشاعرها، وكأنها مشاعر خاطئة أو سيئة.
الذات المزيفة تظهر بوضوح كعلامات مثل التقدير المتدني للنفس، أو مشكلات مع رسم الحدود مع المحيطين، فهذه الحدود تكون صلبة جدًّا أو هشَّة جدًّا، ويمكن أن تظهر كذلك في مشكلات تتعلق بالالتزام في الحياة، أو الكذب المتواصل، وكذلك الاعتمادية، أو الإدمان، أو حتى التلاعب.
حين تكون الذات المزيفة مفعَّلة بداخلنا فنحن نشعر أن هناك شيئًا خاطئًا، وأننا غير مرتاحين، وفي حالة من الانقباض والقلق أو الفراغ، ومهما حقَّقنا طموحاتنا نظل نشعر بالفراغ.
ما يزيد الوضع سوءًا أننا جميعًا في أغلب الأوقات نشعر أن تلك الذات المزيفة وكأنها حالتنا الطبيعية، أو الحالة اللي من المفترض أن نكون عليها، وهذا ليس صحيحًا، نحن من أدمنَّا تلك الحالة فقط أو تعلَّقنا بها، وبالتالي اعتدنا أن تكون ذاتنا المزيفة هي الطبيعية بالنسبة إلينا.
الامتنان
لا بد أن تعلم أن الذات المزيفة مؤذية وضارة بالفعل، لكن لها فوائد في مراحل تكوُّنها، فقد كانت تحمينا من الأذى داخل الأسرة، أو رفض الناس لنا، وتجعلنا ننسجم معهم، أو تجعلهم يحبوننا، أو يتقبَّلوننا.
نحن محتاجون أن نمتن لها، نعم.. نمتن للذات المزيفة لأنها حمتنا في أوقات كثيرة مضت، ولكن رغم امتناننا ذا فلا بد أن نلغيها، بل ونمحوها لصالح تفعيل ذاتنا الحقيقية.
حتى لو كان في ذلك صعوبة للتخلي عن بعض الأشياء التي اعتدنا ممارستها، ولو كان معنى ذلك أن الناس قد يتوقَّفون عن قبولنا أو حبنا.
إذا أردت أن تكون طرفًا في علاقة صحية مع الحياة ومع الناس هكذا بكل صراحة، فالعلاقات الصحية لن تستقيم مع الذات المزيفة.ما العمل؟ماذا نفعل إذن لنكتسب ذواتنا الحقيقية؟ نحن في حاجة أن ننتبه إلى الطفل الداخلي فينا، ونعرف مشكلاته ونحاول أن نحلها، فلو فعلنا ذلك سنكون منحناه الفرصة ليعبِّر عن نفسه وحينها ستظهر ذاتنا الحقيقية بمفردها بلا أي جهد منا.هيا بنا نلقِ نظرة على مثالين لجرحين من جروح الطفل الداخلي منتشرَين نوعًا ما، ألا وهما عدم الاستحقاق والاتكالية.عدم الاستحقاقهذه الفتاة، على سبيل المثال، كان أبواها يتجاهلانها في طفولتها بشكل متكرر، ما جعل طفلها الداخلي يشعر أنه غير جدير بالاهتمام، وعلى الرغم من مرور عشرين عامًا على هذا الفعل فقد ترك هذا التصرف أثرًا قويًّا في شخصيتها الحالية، وجعلها تشعر أنها كشخص بالغ، أقل قيمة من الآخرين، وعندما تتعرَّض للإهانة من شخص ما تلتمس له الأعذار ولا تشعر أن لديها مشكلة في ذلك.ولكي تجد حلًّا لمشكلتها فلا بد أن تتعرَّف على طفلها الداخلي وتحاول علاجه من ذلك الجرح العميق الذي تعرض له في الصغر.
الاتكاليةهذا الرجل اتكالي واعتمادي، فلو أراد أن يحل هذه المشكلة لديه فماذا عليه أن يفعل؟!يجب أن يتعرف على طفله الداخلي، فلو أنه تابعه سيجد أنه طفل عاجز، وبحاجة إلى من يقدم له الرعاية والعطف بشكل دائم.للنمو إذن مراحل عديدة، ولكل مرحلة احتياجات مختلفة، كالعاطفة والرعاية والعناية، وحين نقوم بتلبية احتياجات مرحلة معينة فحينها سنكون مستعدين للانتقال إلى المرحلة التي تليها من مراحل نمونا.هذا الرجل لم يحصل على احتياجاته المناسبة لتلك المرحلة من نموه، أو ربما أسيئت معاملته في تلك المرحلة فلم يكمل نموه.فلو أنه قد فهم أن هذا أساس مشكلته فسوف يستطيع أن يكمل نموه الناقص، وسيستطيع أن يرى احتياجاته التي تنقصه محاولاً أن يتعلم كيف يلبيها، وعليه فإنه سينتقل إلى مرحلة النمو التي تليها.خطوات شفاء الطفل الداخليدعنا نقسِّم العملية إلى خطوات حتى لا يختلط الأمر عليك كي تعيد اكتشاف ذاتك الحقيقية وتعالج طفلك الداخلي، فأما الخطوة الأولى فهي اكتشاف الذات الحقيقية، والتدرب على أن تكون تلك ذاتك حقًّا، والخطوة الثانية هي تحديد احتياجاتك الروحية والعاطفية والنفسية والجسدية، والتدريب على تلبيتها بنفسك أو بمساعدة أشخاص تثق فيهم، والخطوة الثالثة هي تحديد الخيارات أو الصدمات النفسية أو الخسارات، والتألم على ما لم يتم التألم عليه منها، بوجود أشخاص تثق فيهم كذلك، وأما الخطوة الرابعة والأخيرة فهي تحديد المشكلات النفسية الجوهرية، والعمل على حلها.تمرين شفاء الطفل الداخليإليك تمرينًا عمليًّا قابلًا للتطبيق بشكل بسيط، اخفِض إضاءة غرفتك وأغمض عينيك، متخيلًا أن الجالس حالاً هو أنت عندما كنت طفلًا، وركِّز انتباهك في الفراغ حتى ترى شخصيتك الكبيرة مقبلة نحوك، ثم تمد يدها إلى ذلك الطفل وتحتضنه بقوة!ما الهدف من هذا التطبيق؟ أنت تعلم أن التعاطف مع الآخرين أو رعايتهم أسهل من التعاطف مع أنفسنا ورعايتها، لذا سيساعدك تخيُّلك أن وجودك الحالي وطفلك الصغير بهيئتين مختلفتين، على عدم تجاهل بكاء الطفل الكائن بداخلك، ولا صراخه ونداءه عليك لسنوات، وستكون فرصة جيدة لتتمكَّن من توفير الاهتمام والاحتواء الذي يحتاج إليه.تبنَّ نفسكما رأيك لو تبنَّيت نفسك؟ عِش دور الأبوة مع طفلك الداخلي، واهتم به بكل حب، وتحدث معه بلطف وحب وصبر، أخبره أنه طفلك المميز والمحبوب، وأن له قيمة، ولا ينتقص من قدره شيء، وأنك فخور به، واسمح له كل فترة أن يحصل على مكافأة منك. أخبره أن ما حدث منذ زمن بعيد ليس ذنبه، فقد كان في مكان غير ملائم، وكان ضعيفًا ولم يكن لديه أي وسيلة لحل مشكلاته.اجلس إلى جوراه وضمه بيديك، تخيل أنك تفعل ذلك، وتخيل أن لكلٍّ منكما وجودًا ماديًّا وأنكما متجاوران، ولو رغب في البكاء فدعه يبكِ، وربِّت على كتفيه وهدِّئ مخاوفه وتقبَّل مشاعره، أخبره أنك ستكون حارسه وبطله، أخبره أنك لن تسمح له أن يتعرَّض لأي أذى، واعتذر له لأنك لم تكن تعلم بوجوده في الماضي، وأنك لم تكن تعرف آلامه واحتياجاته.
جميع المقالات حصرياً علي موقع مجلتي