يتعامل المرء أحيانًا بسذاجة غير مقصودة قد تبدو للآخرين خبثًا.. أذكر أنني أيام الكليّة استعملت لفظة بذيئة جدًا أمام مجموعةٍ من الفتيات؛ لأنني لم أكن أعرف معناها، وحسبتها نوعًا من استعراض براعتي اللغوية.. الظريف في الأمر أنّ وجوههنّ جميعًا احمرّت، وبعضهنّ صدمن، وهو ما يعني أنّ الآنسات الرقيقات كُنّ جميعًا يعرفن تلك اللفظة!
ذلك الموقف الذي وصفته ذات مرةٍ بـ (ذئب وديع وسط مجموعة من الحملان الشرسة).
عندما عرفت شبكة الإنترنت لأول مرة، تصرفت بسذاجة، واستعملتها للحصول على معلمومات، متخيلًا أن هذا الغرض من اختراعتها، وفاتني أن الشباب حولوا الإنترنت إلى طريقة للحصول على الأغاني والأفلام والصور إياها فقط..
صحيح أن المرء بدأ يتعلم الاستخدام الصحيح للإنترنت، لكنه يتعلم ببطء طبعًا بحكم السن.
تلقيت رسالة إلكترونية من قارئ فضل اسخدام الإنجليزية، فرددت عليه بلغة إنجليزية مفرطة في عاميتها. لاحظت أن خطابه التالي كان باردًا جدًّا إن لم يكن عدوانيًا. وفي النهاية سألني في حزم:
"ماذا تقصد بلفظة Babe التي ناديتني بها في خطابك بالضبط؟!".
كنت أسمع العامية الأمريكية في أفلامهم فأجد أنهم يخففون لفظة Baby لينطقوها Babe. وبدا لي هذا نوعًا من البلاغة المحببة، لكن كان على أن أفهم فيما بعد أن Babe هذه كناية عن أية فتاة في المواقع الإباحية!.
كل هذا بسبب رغبتي في استعراض براعتي اللغوية..
موقف مماثل حدث مع صديق سافر إلى الخارج، وأرسل لي قرصًا مدمجًا عليه مجموعة صور ظريفة من الصور المتحركة GIF. كنت بصدد تصميم موقع لي، فانتقيت صورة لعينين شيطانيتين، ووضعتها في بداية الموقع. مر الأمر على خير إلى أن تلقيت أكثر من رسالة من قراء يقولون لي:
"هو أنت من دول"؟! و"صباح الفل".
قيما بعد عرفت أن صديقي الوغد نسخ صورة العينين هذه من واحد من أشهر وأهم مواقع البورنو على شبكة الانترنت!
لقد كانت هذه الصورة علامة الموقع المميزة!
حاولت أن أزيل الصورة، لكن وجدت أنني ـ كالعادة ـ نسيت كلمة السر التي تتيح لي عمل تغييرات في الموقع. هكذا ستبقى هذه الصورة للأبد، حيث تثبت لي أنني ساذج، وتثبت للآخرين أنني ذئب!
عندما جربت ذلك النشاط البشري المعروف بـ (الشات)، اتخذت اسمًا مستعارًا طبعًا، ودخلت غرف الحوار لأسمع ما يقولون. لاحظت أنني ساحر وجذاب فعلًا برغم إنني لم أفتح فمي، وتلقيت اتصالات من أجمل مجموعة من الفتيات عرفتها في حياتي.
فيما بعد وجدت أن الصور التي أرسلنها لي كانت جميعًا لممثلات أجنبيات شهيرات لا أعرفهن، ولهذا السبب طلقت الشات نهائيًا باعتبار كل ما يُقال فيه كذبًا.. حتى كلمة (صباح الخير) تُقال في منتصف الليل.
صحيح إنني ساذج، لكني لم أبلغ بعد درجة السذاجة التي يحسبونني بها، عندما أفتح صندوق بريدي كل يوم لأجد ألف خطاب من ألف زوجة زعيم أفريقي راحل. الزوجة الثكلى تقول إنها (ماجدا لامبو) أرملة الزعيم (أومبا لامبو) الرئيس السابق لجمهورية (كوكو لامبو) الذي ـ ونطلب له الرحمة ـ اختلس 150 مليون دولرًا من امل الشعب، وقام بإيداعها في مصرف كذا في جامايكا. المهملة سهلة جدًا هي أن الأرملة بحاجة إلى من يسحب لها هذه النقود والنص بالنص. فقط هي توسمت في شخصي إنني نصاب أمين، وإنني سوف أكون خير من يقوم بهذه المهمة. يا سلام! اختارتني أنا بالذات من بين كل سكان الكرة الأرضية لأنني أوحى بالثقة!..
أنا المحظوظ الوحيد الذي سوف يظفر بـ 75 مليون دولار.
ربما تسخر من الأمر لكن تذكر إن هناك أمريكيين صدقوا القصة وذهبوا إلى جامايكا فعلًا!.. وهناك تنتظر الأمريكي عصابة كاريبية ممتازة تعطيه علقة لها العجب، وتسرق ماله وجواز سفره وثيابه، ثم تلقي به في الشارع عاريًا مفلسًا. لا أشعر بأية شفقة عليه، وأرى أنه يستحق هذا.. ما ينقص هؤلاء كي يعلنوا أنهم نصابون؟ وبرغم هذا هو مُصر..
إن الحديث عن السذاجة لا يتوقف، ويحتاج إلى عدة مجلدات، ولكن المشكلة هي أن الجميع لا يصدق أنك ساذج إلى هذا الحد، إنما أنت تتخابث. كأنه يجب أن أسافر إلى جامايكا وأتلقى علقة من حرم الرئيس (أومبا لامبو) كي يصدقوا إنني ساذج فعلًا!